- المرصد
أسعد سمور- لم يكن خبر الإعتداء على منزل الزميلة مريم سيف في برج البراجنة مفاجئا، فهي سبق أن أبلغت زملائها عن تعرض منزل ذويها حيث تسكن للاعتداء من قبل أقارب لها مدعومين من أحزاب المنطقة. حينها فضلت مريم التريث وعدم إثارة الموضوع باعتباره اعتداء على حريتها خصوصا حريتها الصحفية، وفضلت الانتظار كي تتأكد من أن الإشكال محض عائلي ولا علاقة للقوى الميليشيوية المهيمنة في منطقتها به.
منذ الإعتداء الأول كان الجميع متيقن أن حزب الله يدعم المعتدين، ولكن مريم أصرت على تقصي الحقائق أكثر والانتظار، إلى أن جاء الاعتداء الثاني موثقا بالفيدوهات والصور. كاميرا المنزل رصدت لحظة التهجم على منزل مريم والاعتداء على والدتها من قبل المعتدين المنفوخين ذكورية رخيصة واستفراغا مقيتا لعنتريات تافهة يمنحها شعور فائض القوة.
المفارقة الأولى أن قوى الأمن لم تتدخل لمنع الاعتداء بالرغم من الاتصال بالمخفر، لا بل ذهبت القوى الأمنية أبعد من ذلك حيث تم التعامل مع مريم وكأنها مجرمة فمنع عنها الهاتف وتم احتجازها لساعات، فيما حضر إبن شقيق النائب في حزب الله أمين شري لدعم المعتدين. وفي النهاية وبفضل جهود الصحافيين في نقابة الصحافة البديلة وضغوطاتهم، خرجت مريم من المخفر.
المفارقة الثانية أن مريم التي تعرضت وذويها للاعتداء والترهيب، والتي تمسكت بالقانون وبذلت جهدا يبينه الفيديو في منع تطور الاشكال عبر الضغط لمنع توريط إخوتها في تضارب مع المعتدين، والتي فضلت أن تتوجه إلى المخفر لتقديم بلاغ، لينتهي بها المطاف متساوية مع المعتدين ويتم احتجاز حريتها أولا وضعها رهن التحقيق قبل إطلاق سراحها.
المفارقة الثالثة هي انطلاق حملة صحافية لاسيما من الجرائد المدعومة من حزب الله للتصويب على مريم وتسخيف قضيتها واعتبارها مسألة عائلية وربما يصل البعض من "الصحافيين" إلى إعتبار ما حصل معها مجرد عنف أسري. وليست الحملة على مريم سوى تأكيد للمؤكد بأن الاعتداء على منزل الصحافية مريم سيف إنما يستهدف مواقفها ورأيها السياسي. فمريم لم تنف يوما الجانب العائلي من قضيتها بل على العكس هي تذكَر دائما بهذا الجانب، وحين تعرضت للاعتداء الأول فضلت التريث والتأكد بشكل قاطع أن البلطجة على منزل ذويها حيث تقطن، مدعومة من حزب الله على خلفية مواقفها ورأيها، وهذا ما عبرت عنه فعلا على صفحتها على فيسبوك.
إن ما يحصل مع مريم يشكل مؤشرا خطير، وخطورته لا تقف عند حدود قمع حرية الرأي والتعبير، فدعم أعمال البلطجة من قبل القوى الحزبية ضن مناطق نفوذها، والهيمنة الواضحة لميليشيات الطوائف على مؤسسات الدولة بما فيها وزارة الداخلية يضعنا جميعا أمام مخاطر الانزلاق الأمني ووفتح الباب أمام زعران الأحياء لزيادة نفوذهم وسطوتهم على السكان والمواطنين باعتبارهم "قبضايات" المنطقة وشبابها وحماة الطائفة، ومحاولة لاستعادة واحدة من أسوأ أشكال الحرب الأهلية حيث يصبح زعران المنطقة هم حماتها الذين يرهبون كل من يعارض الميليشيا المهيمنة ويعتدون على حقوق الناس ويفرضون الخوات عليهم في ظل اضمحلال دور القوى الأمنية باعتبارها حاميا للسكان.
قضية مريم ليست قضية شخصية أو عائلية، بل تحمل دلالات خطيرة لما يمكن أن يؤول وضع البلاد، لقد وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيها القوى الميليشياوية تريد تهجير كل من يعارضها، وطرده من بيته ومنطقته. وكأن المطلوب أن نزج أنفسنا في محاور أقليمية وصراعات دولية، وأن نتجنب تناول قضايانا الاقتصادية والاجتماعية، وكأن المطلوب أن نبقى رهن إرادة زعماء الميليشيات التابعين لمحور هنا ومحور هناك، والامتناع حتى عن الاشارة إلى فسادهم وسرقاتهم "المقدسة". الاعتداء على مريم هو رسالة لكل من يقول لا، هو رسالة لكل من يرفع صوته فاضحا الفساد والسرقة والبلطجة.
لقد تلقف الصحافيون الرسالة وفهموها جيدا، ويبدو أنهم قرروا عدم الخضوع، ويشكل وقوف الصحافيين والنقابة البديل رسالة قوية إلى الميليشيات المهيمنة برفض الخضوع لهيمنة الميليشات الطائفية وسعيها لتشريد وتهجير الصحافيين وأصحاب الرأي من مناطقهم ومدنهم وقراهم، ولا شك أن ثبات مريم وصلابتها لعبا دورا في تعميق الرفض للاعتداء على الحرية الصحافية، وفتح المواجهة على مصرعيها عبر تحميل القوى الأمنية ووزارة الداخلية المسؤولية الكامل عن الاهمال والتلكؤ في منع الاعتداء على منزل مريم، والتعمد في حجزها ووضعها رهن التحقيق، ومساواتها وهي الضحية بالمعتدين.