-المرصد- أسعد سمور-
عادت المظاهرات مجددا إلى الشوارع، واحتشد ألاف المواطنين في المسيرة التي دعت لها مجموعة "طلعت ريحتكم" وشاركت فيها أغلبية مجموعات الحراك المدني. المسيرة إنطلقت من الأشرفية وحطت رحالها في ساحة رياض الصلح وسط بيروت. المشهد في ساحة رياض الصلح بدا وكأنه إستعادة للحراك المدني الذي إنطلق قبل عام تقريبا . ويبدو أن هذه الإستعادة أتت كنسخة عن العام الماضي بأخطاءه ونجاحاته. ومن ما لا شك فيه فإن الحراك قد أثبت أن الشارع مازال حيا ولكن المجموعات مازالت تتصرف بإستخفاف قل نظيره، حيث أعلنت مجموعة "طلعت ريحتكم" في مظاهرة الإنذار الأخير العصيان المدني والإضراب العام.
الدعوة إلى الإضراب العام أتت منفردة، حيث لم يجر أي تنسيق مع النقابات والروابط العمالية، أو روابط أساتذة التعليم الجامعي والمدرسي. وبكل الأحوال لا تقف مسألة الإضراب العام عند التنسيق مع النقابات، بل لم تأخذ مجموعات الحراك بعين الإعتبار الواقع الإجتماعي اللبناني ومدى جهوزية اللبنانيين على تنفيذ هذا الإضراب في ضل غياب القوى الإجتماعية المؤثرة والفعالة والقادرة على تغطية المضربين عن أعمالهم وحمايتهم من الصرف أو الحسم من أجورهم في ظل الوضع الإقتصادي الخانق، وبالرغم من أن المنظمين قد أعلنوا أنهم لا يريدون تعطيل أعمال اللبنانيين إلا أن حساباتهم لم تكن مصيبة لا بل قد تعود بنتائج سلبية على الحراك، ليس فقط جراء ردات الفعل السلبية التي قد يعبر عنها الشارع خصوصا بعد المحاولة الفاشلة لقطع مداخل بيرت، بل نتيجة الفشل الذي سيصيب خطوة الإضراب العام حيث سيحبط الجمهور في إمكانية إحداث التغيير المطلوب والوصول إلى حل بيئي لأزمة النفايات ولا يحمل اللبنانيين أعباء ضرائبية جديدة.
وما يزيد الطين بلة الخلاف الذي ظهر بين المجموعات نفسها حيث أعلن عدد من المجموعات بينها "بدنا نحاسب" و"من أجل الجمهورية" رفضهم المشاركة في التحركات الهادفة إلى إغلاق الطرقات إلى مداخل بيروت، ما يمنح السلطة إمكانية التعاطي بشكل لا مبالي مع الحراك المدني نظرا للإختلافات التي ظهرت إلى العلن ما يؤشر إلى غياب التنسيق كليا بين هذه المجموعات ما يجعلها ضعيفة التأثير، كذلك ستسفيد السلطة من حالة الإحباط جراء الفشل في تنفيذ الإضراب العام حيث سيفقد الجمهور ثقته بقادة المجموعات وبطريقة عملهم، ما يؤدي إلى توسيع قاعدة "حزب الكنبة" على حساب "حزب الشارع".
النقطة الأساسية التي على مجموعات الحراك فهمها بشكل جيد، أن الجمهور لا يثق بالسلطة الحاكمة وهو يعول على الحراك لإنقاذه من مستنقع النفايات، وأن وقاحة السلطة الحاكمة فاقت كل المقاييس وتستحق الدخول في كتاب غينيس لأكثر سلطة فاسدة فبعد سنة تقريبا من المظاهرات الشعبية عادت هذه السلطة من جديد إلى طرح موضوع المطامر المرفوض شعبيا، لا بل أكثر من ذلك فقد أقدمت هذه السلطة على تكليف شركتي سوكلين وسوكومي لجمع النفايات بالرغم من أن القضاء اللبناني يحاكم هاتين الشركتين في قضيا إختلاس وهدر أموال عامة تقدر قيمتها بحوالي 600 مليون دولار أميركي. ما يعني أن إنتقاد سلوكيات المجموعات المدنية ينطلق من الحرص على الحراك نفسه إذ أن المجموعات بقاداتها ورموزها ستتحمل جزء من مسؤولية الفشل في إيجاد حل لهذه الأزمة ويضعهم أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن ينسقوا جهودهم ويعيدوا تقويم الحراك والإنطلاق من جديد بقوة أكبر، وإما تكريس حالة الإحباط التي ستسقط أي أمل في التغيير في ظل التركيبة الطائفية للمجتمع المدني وسطوة القوى السياسية الطائفية.